مدينة دمشق السورية كبيرة جداً ولو صعدت لقمة جبل قاسيون لرأيتها كلها
اولاً هذا هو جبل قاسيون
وهذه دمشق من على قمته
جبل قاسيون.. سكنه الدمشقيون منذ مئات السنين وكانت مكانته عالية في قلوبهم وصلت لدرجة القدسية
اختلف في معنى جبل قاسيون فقيل: لأنه قسا على الكفار فلم يقدروا أن يأخذوا منه الأصنام وقيل: لأنه قسا فلم تنبت فيه الأشجار.
وقاسيون ذلك الجبل الشامخ الخالد خلود دمشق، له في قلوب الدمشقيين مكانة عالية من الحب والعشق والقدسية، فقد حاكوا حوله الأساطير المختلفة. فيه العديد من الأماكن المقدسة والأثرية يرتفع عن سطح البحر/ 1200/م وعن مدينة دمشق نحو /600/م.
قال عنه (سبط بن الجوزي)(..قاسيون جبل شمال دمشق ترتاح النفس إلى المقام به ومن سكنه لا يطيب له سكنى غيره غالباً...).
وقال عنه (محمد بن طولون الصالحي) المتوفى سنة /953/هـ في كتابه (القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية.(..(سكن أهل المدينة دمشق هذا الجبل قبل أن يسكنوا دمشق، عاشوا فيه أجيالاً طويلة من الزمن حتى إذا تكاثروا وتناسلوا وارتقت معارفهم وتجاربهم هبطوا إلى السهل المنبسط أسفله فبنوا مدينتهم دمشق، ولكن مدينتهم الأولى هي قاسيون ففيه نشؤوا أولاً وإليه رجعوا....)
وجاء في معجم البلدان لياقوت الحموي: «وهو الجبل المشرف على مدينة دمشق، وفيه عدّة مغاور وفيها آثار الأنبياء وكهوف، وفي سفحه مقبرة أهل الصلاح، وهو جبل معظّم مقدّس».
وقد أطلق الجغرافيون والرّحالة العرب أسماء أخرى على جبل قاسيون فقالوا: جبل دمشق، وجبل الشام، وجبل الأنبياء، وجبل التين.
وقد أوردته بعض المصادر باسم «قَيْسُون» أو«قايسون». ففي الآرامية القديمة: «قَيْصُون» تعني «طرفي، نهائي، أقصى، آخر» ولعلها تفيد الحد الأقصى للمدينة حيث أن جبل قاسيون يحدّ السهل الشاسع الذي تربض فيه دمشق ويحتجزه من جهة الشمال، ويقابل هذا الاشتقاق في العربية(قاصٍ، أقصى، قصيّ) ولعل انقلاب الاسم من (قيصون) إلى «قيسون» قد تمَّ على مجرى إبدال الصاد سيناً.
وفي السريانية الحديثة «قِيْسُون» أو «قيسونا» بصيغة المذكر المفرد المؤكّد تعني قطعة خشب صغيرة «غُصَيْن ? أَمْلود» وهي من مصدر «قيسا» أي: خشب.
أما انقلاب الاسم من «قيسون» إلى «قاسيون» فيمكن أن يكون قد تمّ في العصر الهلنستي حيث أنه أقرب إلى النطق باللسان اليوناني بإشباع حروف العلة: (قاسيون) بدلاً من (قاسون).
ومن المحتمل أن يكون اشتقاق اسم الجبل من الجذر الآرامي (ق.ش.ا) الذي يفيد القسوة فمثلاً (قشيونا) هي القساوة فعلى ذلك يكون معنى اسم قاسيون: (القاسي).
يقول: (الخوري أيوب سميا): (قاسيون كلمة سريانية (قشيونو) معناها القاسي الجاف وهي صفة هذا الجبل الصخري الأجرد الذي لا عشب فيه ولا خضرة ولا ماء...).
وقد تكون صيغة (قَيْسُون) بالعربية غير منعكلمة غير مصرح لك بكتابتها ة عن الآرامية وإنما قد تكون نوعاً من النحت والقولبة اللغوية لاسم (قاسيون) لكي يأخذ صيغة أقرب إلى المفردات العربية على وزن (فَعْلُون)بدلاً من (فاعْلون) التي تنبو عن اللسان العربي فجاءت اللفظة المناسبة (قَيْسُون) أو (قَسْيُون) ومثال ذلك ماذكره الرحالة(الحسن بن أحمد المهلبي) في القرن الرابع الهجري: (واسم الجبل المذكور في شمال دمشق القَسْيُون...).
وتذكر الأساطير إنه في سفح جبل قاسيون (بيت أبيات) حيث سكن أبو البشر سيدنا آدم عليه السلام يعتقد أنها قرب التربة (البدرية) وفي أعلاه قتل (قابيل) أخاه (هابيل) ففتح الجبل فاه لفظاعة هذا العمل يريد أن يبتلع القاتل، وفيه (كهف جبريل) حيث جاءت الملائكة تُعزِّي سيدنا آدم عليه السلام بابنه هابيل المقتول.
ويعتقد أن مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام كان في شرق جبل قاسيون في قرية (برزة) وقد قيل للتعريف بمكانة وشرف قاسيون (بين بَرْزَة وَأَرْزَة أربعون ألف نبي)(1) وقرب الربوة في النيرب كان مسكن (حَنَّة) أم سيدتنا مريم عليها السلام جَدَّة المسيح عليه السلام(2).
وكان ينتشر في جبل قاسيون العديد من الأديرة أشهرها (دير مَرّان) الذي عرف به الجبل أحياناً. وفي قاسيون قبر النبي (ذي الكفل) عليه السلام في كهف جبريل ومقام النبي (يونس) عليه السلام. وقبر العلاَّمة (محيي الدين بن العربي) وفيه احترس نبيُّ الله (يحيى) عليه السلام من رجل من قوم (عاد) في الغار الذي تحته كذلك فعل (إلياس) عليه السلام احتراساً من ملك قومه.وفيه صلّى الأنبياء: إبراهيم ولوط وموسى وعيسى وأيوب عليهم السلام.
وقد قيل عن الرّبوة التي في سفح قاسيون إنها هي التي أوى إليها السيد المسيح وأمه العذراء عليهما السلام.
وفي سفح قاسيون حيٌّ يقال له حيُّ (الشهداء) وهي منطقة نزلها العرب منذ الفتح الإسلامي كانت تُعْرف باسم (أَرْزَة) سميت بالشهداء نسبة إلى الشهداء وهم ثلاثة إخوة قتلوا في فتح دمشق، ودفنوا هناك وبني عندهم مسجد.
أحياء جبل قاسيون:
قامت على سفوح جبل قاسيون أحياء سكنية حديثة نذكر منها:
ـ حيّ الصالحية ـ - حيّ المهاجرين ـ حيّ الأكراد (ركن الدين) ـ حيّ الشعلان ـ حيّ المالكي ـ حيّ الروضة ـ حيّ الشركلمة غير مصرح لك بكتابتها يّة ـ حيّ أبي رمانة ـ حي البَاشْكَاتِب ـ الشيخ محي الدين.- المُرابط. ـ الحبوبي.- الشهداء.- عَرْنُوس. ـ الجسر الأبيض. ـ جادة العفيف. ـ حارة شرف.
قباب جبل قاسيون:
ويوجد على جبل قاسيون قبتان: قبة السَّيَّار التي تطلُّ على الربوة وقبة النَّصْرِ في أعلى الجبل.
قُبَّة السَّيَّار: تقوم هذه القبة على الجزء الغربي من جبل قاسيون وتشرف على دمشق وتشرف على خانق الربوة وإلى الشرق من هذه القبة وتحتها قليلاً بقايا أطلال (دير مَرَّآن). وتنسب هذه القبة إلى الأمير سيّار الشجاعي من العهد المملوكي، ومنهم من ينسبها إلى نائب الشام المملوكي سِنْجر الشجاعي. تعود هذه القبَّة إلى القرن السادس أو السابع الهجري. ويقول ابن عساكر: إن هذه القبة هي (قبَّة المَرْصَد) التي تُنسب إلى الخليفة العباسي (المأمون).
قبة النّصر: بناها (برقوق الظَّاهريِّ الصالحيِّ) نائب الشام في عهد السلطان (قايتباي) احد سلاطين دولة المماليك الشراكلمة غير مصرح لك بكتابتها ة في مصر والشام في أعلى جبل قاسيون عند مغارة (شدّاد) سنة /877/هـ وذلك تخليداً لذكرى الانتصار على الأمير (سُوَار بك الغادري) الذي أعلن العصيان على الدولة في إدارة (كيليكيا) وسمّاها (قبَّة النَّصر على سُوَار) أو (قبة النَّصر) ومنهم من يطلق عليها اسم(كرسي الدَّاية) لأنها تشبه الكرسي الذي تستعمله القابلات لتجلس عليه المرأة الحامل عند الولادة.
مغاور جبل قاسيون
وفي جبل قاسيون العديد من المغاور الطبيعية والمغاور التي شقّها الإنسان.وأشهر المغاور الطبيعية في جبل قاسيون هي:
ـ مغارة الجوعيَّة: وتسمى أيضاً مغارة (الجوع)، ويذكرون أن سبب تسميتها بالمغارة الجوعية أنه لجأ إليها أربعون نبيّاً خوفاً من الكفار ولم يكن معهم إلاّ رغيف خبز واحد، فلم يزل كلُّ واحد منهم يؤثر رفيقه عليه حتى ماتوا جميعاً من الجوع.
2ـ مغارة الأربعين: وتُسمّى أيضاً مغارة آدم ومغارة الدم: سُمّيت بالأربعين لأن فوقها مسجد فيه أربعون محراباً، ويقال أيضاً إنها سمّيت بذلك لأن رجلاً رأى فيها أربعين شخصاً يصلّون ثم خرج وعاد فلم يجد أحداً منهم.
وهي تقوم على مكان مرتفع من الجبل يكاد يصل إلى القمة، وفي زاويتها الشرقية الشمالية بارتفاع نحو متر واحد- فتحة تمثل فماً كبيراً يظهر فيه اللِّسان والأضراس والأسنان وسقف الفم بتفاصيل متقنة وأمامها على الأرض صخرة صغيرة عليها خط أحمر يمثل لون الدم، وفي سقف المغارة شقّ صغير ينقط منه الماء. ويقال: إن قابيل قتل أخاه هابيل فبكى الجبل لهول هذه الجريمة وبقيت دموعه تتقاطر وفتح فاه يريد أن يبتلع القاتل.
3 ـ مغارة الشيّاح: تقع هذه المغارة بأعلى الصالحية وصارت اليوم داخلة ضمن الأحياء المأهولة العليا من الجبل غير بعيد عن محلّة الشيخ إبراهيم...فيها قبر يُعرف بقبر الشيخ (محمد الشيّاح)
وكان قاسيون بمافيه الربوة والصالحية مصيفاً للملوك والأمراء، بنوا فيه قصورهم وملاعبهم سكنه خلفاء بني أمية وبني العباس، وعلى قمته بنى الخليفة العباسي (المأمون) مرصده الفلكي الشهير لرصد النجوم والكواكب.
ويتسنّم قمة قاسيون اليوم مبنى التلفزيون العربي السوري، وعلى سفحه أقيم نصب الجندي المجهول، وغدا متنزّه دمشق، يخرج إليه الناس جماعات وفرادى يمتّعون النظر بمرآى دمشق وهي تنداح شرقه بجمالها وعنفوانها، ويجلسون إلى المقاهي الجميلة المتناثرة على جانبي الطريق، وسط مساحات شاسعة من الخضرة على بساط حشيشي أخضر، وأشجار ظليلة تجمّل الجبل وتلبسه حلّة خضراء، يسمرون ويمرحون ويروّحون عن النفس ما علق بها من هموم الحياة ومشاغلها..